تحقيق الذات
بدايةالحكاية
- أعمل فى دار للمسنين بالبحر الأحمرمقابل اقامتى وأكلى وشربى
زائد عشرة جنيهات كل شهر لا تتعجبوا من ذلك فالكافيتريا لا تبخل
على بأى مشروب , شاى , قهوة , قرفة , ينسون ,حتى الحاجة
الساقعة تحت أمرى لكننى لا أفرط فى ذلك , وكثيرا ما أفضل الشاى
, فيما عدا بعض الأوقات قد تجدنى أشرب القرفة لإعتقادى بأنها
مفيدة , أو الينسون قبل النوم لإعتقادى أنه يجلب النوم , الحمامات
هنا نظيفة جدا , غير أن لى غرفة هنا فى هذه الدار ملحق بها حمام
كامل ونظيف , وبالقرب من هذا المبنى الكبير يوجد المسجد , أحب
أن أصلى فيه الأوقات الخمس أشعر بحب نحو الصلاة فى المسجد
, وفى بداية عملى فى هذه الدار كنت لا أعرف كيف أتعامل مع
المسنين على الوجه الأفضل , كلهم هنا لهم نكهة الجد وأحيانا الأب
, الكثير منهم يحب الإبتسام على الدوام , بعضهم له ظروف خاصة
, يحتاج إلى رعاية خاصة , هذه الدار كما علمت قبل أن أعمل فيها
مشتركة , ومشتركة هذه تعنى أن الدار مخصصة للرجال والسيدات
لكن كما أقول لكم وقبل أن تتكلموا أو تفكرو فى أى شئ , الأمر
ببساطة أنه..... يوجد مبنى خاص بالرجال مخصص لهم وحدهم
ومبنى آخر للسيدات مخصص لهن وحدهن , لكن الحديقة للجميع
وكذلك قاعة الحفلات والتى فى البداية كنت أقول عنها انها قاعة
المسرح , لكن بعد ذلك علمت انها لاتستخدم كمسرح بالمعنى
المفهوم بين الناس بل تستخدم للحفلات والمسابقات , العمل هنا
مريح ويتسم بالبهجة لكن الإشراف عموما ليس سهلا , فالمشرف
هنا يجد من الوجب عليه أن يتورط فى أعمال لا علا قة لها
بالإشراف , أحيانا أعلى مرتبة من الإشراف وهذا سهل كما أرى
, وأحيانا أقل مرتبة من الإشراف لكن الإنسان عليه دوما أن
يتواضع ويتساهل فى تعامله مع الآخرين خاصة المسنين,
وأكتشفت من خلال عملى فى هذه الدار أن المسنين يفرحون كثيرا
بالشباب , ويفضلون دائما أن يكون من يرعاهم ويشرف عليهم
ويخدمهم من الشباب , لا أعرف على وجه التحديد لماذا ,لكن هذه
هى الحياة , قوى وضعيف , غنى وفقير , شاب ومسن , أعلم أن
الشباب يتمتعون بنشاط وحيوية وحركة , ولعل هذا ما يجعل
المسنين يفضلون الشباب , وقد أخبرنى أحد المسنين أنه يشعر
بقوة حينما يرى شاب نشيط يعمل على خدمته بحيوية ونشاط
, كما قال لى أنه ينزعج كثيرا من هذه التسمية أى لفظ مسن
, لايحب أن يطلق عليه أحد هذا اللفظ ,بل ويعتبره إساءة , على
كل أنا اناديه باسمه مسبوقا بما يليق به , إذا سوف تسألوننى
الآن عن سبب عملى فى هذه الدار وبهذه الشروط أو بهذا الأجر
الزهيد, حقيقة أنا مضطر أن أشرح لكم لكن دون إطالة , أولا
أنا لا أدخن السجائر وهى التى تستهلك أموال المدخنين, ثانيا
أنا أعتبر عملى هنا مجرد مرحلة فى حياتى لكنها مرحلة مهمة
ولها قيمة كبيرة فى نظرى, وأنا أحترم هؤلاء الناس الذين أعمل
فى خدمتهم , وأشعر بسعادة كبيرة كلما وجدتهم سعداء ويلقون
النكات ويطرحون الأحاجى والأحاجى هى الفوازير التى تحتاج إلى
حل , ثالثا حينما فكرت جديا فى العمل فى هذه الدار بالذات وذهبت
إلى القائمين عليها لأعرض نفسى عليهم كشاب يريد العمل فى هذه
الدار من أجل رعاية المسنين , كان هذا الأمر مغامرة ومخاطرة
بالنسبة لى لكننى قلت يجب على الآن أن أعمله , يجب أن أتخذ
الخطوة الإيجابية , والحياة تبدأ بخطوة , قلت لنفسى لن أظل
أتخيل هذا الأمر كثيرا سأخرجه من الخيال إلى الواقع , حضرت
نفسى وأخذت حقيبتى ودبرت للأمر على قدر المستطاع وحجزت
غرفة فى أوتيل ثم ذهبت إليهم فى صباح اليوم التالى وقالوا لى
ليس لدينا عمل , فقلت لهم أريد أن أتطوع , فى البداية لم
يستوعبوا الفكرة جيدا لإنها تحدث فى الأفلام الأجنبية فقط , حتى
فى هذه الأفلام يكون التطوع لمدة ساعة أوساعتين كل أسبوع ,
أما فى حالتى فأنا أريد أن أتطوع كل يوم وكل ساعة أى أحتاج إلى
إقامة دائمة , على كل طلبوا منى فيش وتشبيه موجها إليهم
وصورا من كل من بطاقتى الشخصية وما حصلت عليه من شهادات
وبعد أن أحضرت كل هذا أرتابوا فى أمرى لفترة وقالوا لى ستعمل
بدون أجر وبدون مبيت , ولم يتكلموا مطلقا عن اتاحة الطعام
والشراب لى بالمجان كما هوالحال الآن , وحين قبلت بشروطهم
هذه أصبحت أعمل لديهم من الثامنة أو العاشرة صباحا بحسب
الأحوال إلى الرابعة وأحيانا السابعة مساء ومع مرور الوقت شعروا
نحوى بالإرتياح والإطمئنان فبدأت الأحوال تتغير وسقطت الحواجز
النفسية بينى وبين الإدارة وبدأت قلوبهم تتفتح لى وبدأ حبهم لى
يظهر فعرضوا على الإقامة , وقالوا لى على وجه الصراحة أن
لى أن آكل وأشرب ماشئت بدون مقابل , فى البداية كنت أبيت
فى غرفة صغيرة ولم يكن لها حمام خاص بها, لكن بعد ذلك نقلونى
إلى هذه الغرفة المريحة حيث أكتب الآن , وقلت لكم أن لها حمام
كامل خاص بها , وأننى سعيد هنا , وما يحزننى هو تفكيرى فى
ترك هذه الدار وإنهاء حالة التطوع هذه مع أننى آكل هنا وأشرب
ولى غرفة جميلة خاصة بى وأعاشر أناس طيبون يعرفون كيف
يعيشون الحياة فى سلام مهما كانت أحوالهم الصحية , وكثير منهم
كما أخبرتكم يبتسمون كثيرا, ثم إنهم يحبون المرح والتعلم
والضحك والصحبة الحلوة كما أن الإدارة بدأت منذ فترة طويلة جدا
تنظر لى بعين الإحترام والمحبة والتقدير والإعجاب بدلا من الريبة
والشك والإستعجاب والإستعجاب , وأنا هنا أشعرأن الجميع
يحبوننى. تمت
Labels: مغامرة
0 Comments:
Post a Comment
<< Home